الرئيسية | المتن | كنوز التراث | مختارات | تعريف | ديوان المطالعين | إدارة الموقع  

الأستاذ عبد اللطيف الشويرف المفسِّر

محمد خليل الزَّرُّوق

مقالة

تاريخ النشر: 2020/04/01
اقرأ للكاتب
أنتهز مناسبة تكريم مجمع اللغة العربية الليبي لأستاذنا الأستاذ الشيخ عبد اللطيف الشويرف -حفظه الله- لأنوِّه بدروسه في تفسير القرآن الكريم التي عقدت في مسجد القَرَافي في طرابلس، وأشرفت عليها ونقلتها مع دروس أخرى قناة التناصح، ومنها على الشبكة في موقع اليوتيوب 146 درسًا، بعضها يزيد على الساعة قليلًا، وبعضها ينقص عنها قليلًا، ومجموع هذه الدروس فيه الكلام على الفاتحة وتسعين آية من سورة البقرة إلى قوله تعالى: ﴿فلِمَ تَقْتُلون أنبئاء الله مِن قَبْلُ إن كنتم مؤمنين﴾، وآخرها منشور في تاريخ 28/10/2018، وهي نحو مائتي ساعة، وقد شغلت الاستعاذة وحدها الدروس الثلاثة الأول، أي نحو أربع ساعات. [وهي الآن 178 درسًا، إلى الآية 105 من سورة البقرة: ﴿ما نَنْسَخْ من آية﴾، آخرها منشور بتاريخ 17/3/2020م].
ودروس الشيخ عبد اللطيف الشويرف في التفسير دروس في غاية النفاسة، وأرجو أن يطيل الله عمره، ويسبغ عليه الصحة، ويُمده بالقوة حتى يتمها إلى آخر القرآن الكريم، فقد جمع الشيخ من المواهب والمزايا ما يمكنه من تفسير القرآن العظيم، ويمكنه من عرض ذلك في دروس مرئية مسجلة، يجتمع فيها التفسير والأدب والفقه والعربية، وتعطي صورة للعالم مكتمل الأدوات والملكات، فيُمتع ببيانه وأدبه، ويفيد ببحثه وتحقيقه، وينفع بشرحه وإيضاحه، ويؤثِّر بسمته ودَلِّه، وهذه خلال قلما اجتمعت في إنسان، وكيف وقد علت سنه، وصقلته التجارب والأيام، وحصَّل من العلم ومن الخبرة ما الناس في حاجة إليه، ولا سيما إذا تعلق ذلك بالقرآن الكريم وعلومه، وبتفسيره وإعرابه، وبتلاوته وتدبره؟
فقد أتقن الشيخ -حفظه الله- علوم العربية، وتمكن منها، وعلَّمها سنين طويلة، وألَّف فيها الكتب، وأذاع فيها البرامج المسموعة والمرئية، وما زالت شغله الشاغل منذ صباه، وعلوم العربية هي الأداة الأولى، والوسيلة المثلى، إلى تدبر القرآن الكريم، وقد أنزله الله بلسان عربي مبين، وجعله معجزة بيانية لأهل هذا اللسان العرب، فأعجز العرب والعجم، والإنس والجن، وتحداهم أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله.
وهو أيضًا من أهل القرآن الذين يحفظونه ويتلونه ويقومون به، وقد استمعت إليه يرتل في صلاة القيام في رمضان في أوساط الثمانينيات، أي قبل ثلاثين سنة، يتغنى بالقرآن مترنما، ويراعي الوقوف الهبطية، ويطيل في التلاوة، فكانت تلاوته من التلاوات القليلة التي راقتني وتأثرت بها، في نغمها واسترسالها وطبعها وروحها. ولا يكون تدبر القرآن إلا مقرونًا بالتلاوة والصحبة الطويلة، فهي التي تشد القلب إليه، وتعلقه به، وتفتح له أسراره ومعانيه، وتدله على مناسباته وتناظراته، فالقرآن لا يهب عطاءه إلا مع طول الزمن، وإدمان النظر، وهو يفسر بعضه بعضًا، ويدل بعضه على بعض.
والشيخ عبد اللطيف -حفظه الله- ذو ملكة أدبية، وذوق رفيع، وأسلوب رائق، في كتابته وفي حديثه، يعرف فروق الأساليب، ويذوق اختلاف الألفاظ، فصيح معرب مبين، ولو استمر كاتبًا فقط للمقالة الذاتية، لما قل شأنه في الكتابة عن الزيات أو أحمد أمين أو علي الطنطاوي، لو تفرغ لذلك، وانفتح المجال أمامه في الصحافة في كهولته وشيخوخته، كما انفتح له في شبابه وصباه، ولكن الظروف جعلته مقلًّا في هذا الباب. وهو على كل حال يملك هذا الذوق الأدبي الذي يمكنه من رَوْز أساليب القرآن، والموازنة بين آراء المفسرين والمعربين، والترجيح بينها، واختيار ما هو أليق بالبيان العربي، وما هو أقرب إلى الأسلوب القرآني. وهو أيضًا يجعل لحديثه طلاوة وانسيابًا يريح الأذن، ويمتع النفس، ويغري بالمتابعة.
وهو -مد الله في عمره- متفقِّه مطلع، وهو وإن لم يكن من المنقطعين لدراسة الفقه والأحكام، له مشاركة في الفقه، وملكة في البحث، وقدرة على معرفة منازع الفقهاء في استدلالهم بالآيات القرآنية، واستنباطهم منها، واختلافهم فيها. وباب الأحكام المستنبطة من القرآن الكريم باب جليل، وبحث من أبحاث العلم هو أساس الفقه، لأن القرآن هو الأصل الأول للأحكام.
والشيخ -حفظه الله- ممن أوتوا مقدرة تعليمية فائقة، فقد بدأ حياته العملية معلِّمًا، واشتغل بالدروس المسجدية، وبالدروس الإذاعية والمرئية طول حياته، فهيَّأ ذلك له ملكة في التعليم ظاهرة، يرتب المسائل، ويحسن عرضها، ويأخذ الطالب والمتلقي بالتدرج، وينقله بين المسائل في سهولة، ويأخذ بيده إلى الفهم في يسر.
ويكمِّل هذا كله أن له قلبًا حيًّا -نحسبه والله حسيبه- لا يعرض العلم جافًّا خاليًا مما يحرك القلوب، ويحيي النفوس، ويثير العزائم، ولكن حاله مختلط بمقاله، وعلمه ممزوج بوجده، وتعليمه مقترن بدعوته، يلتقط الإشارات، ويقف عند المواعظ، ويستنبط المعاني، ويوجه إلى العمل.
وإن كان يحق لي أن أنصح أو أرجو، فإني أرجوه أن يستمر في هذه الدروس القرآنية العلمية، وأن يهيئ مَن له صلة به، والقائمون على ترتيب درسه وتسجيله ونقله، أسباب استمرار هذه الدروس، ولو أدى ذلك إلى نقلها من بيته أو من مكان ما، فهي دروس علمية حقًّا، وهي في التفسير والعربية والأدب والموعظة والدعوة، تداخل فيها كل ذلك، وهي استخراج لخبيء عالم من علماء الأمة له خبرة في هذا المجال، وقدرة على الإفادة، وهذا تراث يجب حفظه وإذاعته، وهذه سنة يجيب ألا تنقطع، فإنما الأمم بالعلم والعمل، وبرجالها ونسائها الذين يحيون فيها المعاني السامية، ويرتفعون بها إلى إنسانيتها، كما كرَّمها الله، وكما أرادها.
ولا أغادر هذا المقام حتى أدعو إلى حفظ تراث هؤلاء الأدباء والعلماء المكتوب والمسموع والمرئي، فمن العيب أن يذهب عنا ذلك، وألا يكون هذا التراث محفوظًا تنتفع به الأجيال القادمة، ومن شاء البحث فيه والانتفاع به، فتعرف ما كان لها من تاريخ، وما في تاريخها من علماء وأدباء، وما لهؤلاء العلماء والأدباء من تراث. فهذا الشيخ عبد اللطيف له تراث من المقالات الأدبية ما أظن أن جميعها منشور مجموع في كتاب، وله مئات أو يزيد من الساعات الإذاعية ما أظن أنها محفوظة بوسيلة تمكِّن مَن شاء من الاستماع إليها ومراجعتها، وتُجنبِّها الضياع والتلف، وله مثل ذلك من البرامج المرئية، ليست كلها مجموعة أو محفوظة.
وهذا كله أمانة وعلم وتاريخ لا يجوز التفريط فيه أو التهاون في حفظه، بل يجب اتخاذ كل الوسائل التي تضمن المحافظة عليه. ومثل الشيخ عبد اللطيف كثير من الأدباء والعلماء. فهل يكون لنا مشروع أهلي لحفظ هذا التراث في كل صوره، ثم يكون لنا تعاهد على تجنيب التراث والتاريخ صراعاتنا الآنية والسياسية، حتى يكون ذلك بمنأى عن عاديات الزمان، ويكون لخزائن العلم حرمة، ويكون لوسائل البحث مكانة، تسمو على الخلاف، وتعلو على الظروف، وتتجاوز الحكومات، لأنه كالماء الذي يحيي العقول والقلوب، يؤول إليه الناس ولو بعد حين، فيجدون علمًا مذخورًا، وتراثًا محفوظًا؟
والشكر في ختام هذه الكلمة لقناة التناصح التي رتبت هذه الدروس، ومكَّنت من الاطلاع عليها، ولمجمع اللغة العربية الليبي الذي احتفى بالأستاذ الشيخ في موسمه لهذا العام، وجعل تكريمه احتفالًا باليوم العالمي للغة العربية، ومنحه وسام الضاد، تقديرًا لجهوده في خدمة هذه اللغة الشريفة، وهو أهل لذلك، ولأكثر من ذلك.

15/ 12/ 2018م
مرعي العرفي2020/04/02
حفظكم الله ورعاكم أستاذنا المفضال.
محمد خليل الزروق2020/04/02
شكرا أستاذ مرعي، ولك بمثله.
مجيد محمد2020/04/02
جزاك الله خيرا وزادك علما وتوفيقا شيخنا
تذكير لقراء الرقيم
نشرت ترجمة الشيخ حفظه الله! في الرقيم بقلمه
وهذا رابطها
http://www.arraqeem.com/View/Article.aspx?page=566&cn=21

الاسم
رمز التحقق  أدخل الرقم في خانة التحقق  6101