الرئيسية | المتن | كنوز التراث | مختارات | تعريف | ديوان المطالعين | إدارة الموقع  

مطالعة لذكريات بروكلمان

محمد خليل الزَّرُّوق

مقالة

تاريخ النشر: 2023/12/13
اقرأ للكاتب
قرأت ذكريات المستشرق الألماني بروكلمان، وكنت أتوقع أن أجد فيها حديثا عن التراث العربي، أو على الأقل حديثا عن خبرته في البحث العلمي والمثابرة على البحث والتحصيل، فلم أجد ذلك، ولم أجد إلا أحاديث فارغة لا تعني إلا أسرته، إذ كانت الذكريات ليس معدة للنشر، ولكنها رسالة منه إلى ابنه بعد أن تقطعت بينهما السبل في الحرب، ولم يدر متى يكون لقاؤهما، لكنها لم تخل من فائدة على كل حال، وأهم ما يلفت النظر أنه أنجز أعماله في أحوال صعبة، إذ عاصر الحربين الكبريين وما بينهما، وكان الأمر كما يقول الشيخ محمد أبو موسى: أنجِزْ أفضل الأعمال في أسوأ الأحوال، وقد انتهى الأمر بهذا المستشرق الشهير لدى دارسي التراث العربي أن أحيل في أخريات حياته إلى «دور الرعاية الاجتماعية المعنية بإعانة الفقراء» كما قال، ثم صار أمينا لمكتبة الجمعية الشرقية الألمانية بأجر زهيد سنة 1945، وكان خاتمة وظائفه أن عين أستاذا فخريا سنة 1947 في جامعة مارتن لوثر، وبقي في هذا المنصب إلى وفاته سنة 1956.

لم يكن التراث العربي شغل بروكلمان الأول، ولا كتابه تاريخ الأدب العربي آثر كتبه لديه، مع أنه أنجز رسالتين جامعيتين في العلاقة بين تاريخ ابن الأثير وتاريخ الطبري، وفي كتاب تلقيح فهوم أهل الأثر لابن الجوزي، بل هو يعد أفضل أعماله: «الأساس في النحو المقارن للغات السامية» وقد أنجزه في سبع سنين، وكتابا آخر له هو معجم للسريانية، ولم يذكر في أوراق السيرة هذه عن كتاب تاريخ الأدب العربي إلا قصة طبعته الأولى وأن الناشر كان عريقا في الغش والخداع.

واستوقفني شاهد على نفوذ السفارات الأوربية في إسطنبول أواخر القرن التاسع عشر، إذ في زيارة لبروكلمان إليها توسط موظف في السفارة الألمانية لدى مدير المكتبات في دائرة المعارف فأعارهم مخطوطة باسم السفارة، يقول بروكلمان: «مع أنه كان لا يُسمح البتة بخروج مخطوط من مكتبات إسطنبول، إذ كلها أوقاف دينية»، ويقول عن القنصل الألماني العام آنذاك إنه أخبره بلا خجل أنه لا صلات له بالأتراك، بل يتولى العلاقات بهم المترجمون، ويلهو هو في النادي الدولي للسفراء.

وأيضًا استوقفني أنه كان يأمل أن يعين مديرا لدار الكتب المصرية، لأنه لم يكن يتولى إدارتها لذلك العهد إلا مستشرقون ألمان. ولا تعدم شواهد في الكتاب على علاقة المستشرقين بوزارة الخارجية، فقد كانت الوزارة تمول كثيرا من البرامج الجامعية الاستشراقية، حتى إن بروكلمان نفسه تعلم اللهجة المغربية بعد الأزمة بين الألمان والفرنسيس المتعلقة بالمغرب.
في الكتاب بعض الحوادث التي تدل على أن الاستبداد واحد في كل مكان، وأن الناس في سلوكهم معه كما هم في كل صقع، فيقول مثلا: إنه تجمهر رعاع في الجامعة يهتفون بهلاك ي ه وذا، يقول: وهم بين مجرم قديم ونزيل سجون، ومن أمثال هؤلاء تألف الحرس النازي. ويروي أن نائبا في مجلس النواب اتهمه بالخيانة، وأن هذا النائب عين رئيسا لمقاطعة ثم عزل ثم قتل، يقول كما هو الشأن في الرعيل الأول من أتباع هتلر، ويقص أنه كان عليهم الاحتفال بعيد ميلاد هتلر فألقى رئيس جامعة فينا خطبة فيها كثير من التمويه والالتواء، وأن بروكلمان أجابه بخطبة مقتضبة.

ليست هذه الكلمة ذما ولا مدحًا لبروكلمان ولكنها ملاحظات قارئ لذكرياته المنشورة في القاهرة أوائل هذه السنة 2023، وقد طالعت كتاب الدكتور شوقي أبو خليل «بروكلمان في الميزان» وغيره، ولم يكن غير ما ذكروه متوقعًا فقد كان الرجل مسيحيا متدينا، بل كاد يتخصص في علوم اللاهوت، ثم مال إلى دراسة اللغات الشرقية، على أن هذه الذكريات كانت نشرتها مجلة الجمعية الدولية للدراسات الشرقية الصادرة في ليدن سنة 1981، ونشر خلاصتها الدكتور كامل عياد في مجلة المجمع الدمشقي في الجزء الثالث من المجلد المتم ستين الصادر في تموز سنة 1985.
شكرا للصديق أنس رفيدة على إهداء الكتاب

الاسم
رمز التحقق  أدخل الرقم في خانة التحقق  1742