الرئيسية | المتن | كنوز التراث | مختارات | تعريف | ديوان المطالعين | إدارة الموقع  

من طُرَف الجبناء

الرقيم

قصة

تاريخ النشر: 2024/02/19
اقرأ للكاتب
قال أبو دلامة: أتي بي المنصور أو المهدي وأنا سكران، فحلف ليخرجنّي في بعث حرب، فأخرجني مع رَوْح بن حاتم المهلبي لقتال الشُّراة، فلما التقى الجمعان قلت لروح: أما والله لو أن تحتي فرسك ومعي سلاحك لأثّرت في عدوك اليوم أثرا ترتضيه، فضحك وقال: والله العظيم لأدفعنّ إليك ذلك ولآخذنّك بالوفاء بشرطك، ونزل عن فرسه فنزع سلاحه ودفعهما إليّ، ودعا بغيرهما فاستبدل به، فلما حصل ذلك في يدي وزالت عني حلاوة الطمع قلت له: أيها الأمير هذا مقام العائذ بك، وقد قلت بيتين فاسمعها قال: هات، فأنشدته:
إني استجرتك أن أقدَّم في الوغى * لتطاعن وتنازل وضراب
فهب السيوف رأيتها مشهورة * فتركتها ومضيت في الـهُرّاب
ماذا تقول لما يجيء ولا يُرى * من بادرات الموت في النُّشَّاب
فقال: دع ذا عنك وستعلم، وبرز رجل من الخوارج يدعو إلى المبارزة فقال: اخرج إليه يا أبا دلامة، فقلت: أنشدك الله أيها الأمير فإنه أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا، فقال: لا بدّ من ذاك، فقلت له: أنا والله جائع ما تنبعث مني جارحة من الجوع فمر لي بشيء آكله ثم أخرج، فأمر لي برغيفين ودجاجة، فأخذت ذلك وبرزت عن الصفّ فلما رآني الشاري أقبل نحوي وعليه فرو، وقد أصابه المطر فابتلّ، وأصابته الشمس فاقفعلّ، وعيناه تقدان، فأسرع إليّ فقلت له: على رسلك، فوقف فقلت: أتقتل من لا يقاتلك؟ قال: لا، قلت: أفتستحلّ أن تقتل رجلا على دينك؟ قال: لا، قلت: أتستحل ذلك قبل أن تدعو من تقاتله إلى دينك؟ قال: لا، فاذهب عنّي إلى لعنة الله، فقلت: لا أفعل أو تسمع مني، قال: هات، قلت: هل كان بيننا قطّ عداوة أو ترة أو تعرفني بحال تحفظك عليّ، أو تعرف بين أهلي وأهلك وترا؟ قال: لا والله، قلت: ولا أنا والله لك إلا على جميل، وإني لأهواك وأنتحل مذهبك وأدين بدينك وأريد السوء لمن أراده بك، قال: يا هذا جزاك الله خيرا فانصرف، قلت: إنّ معي زادا وأريد مؤاكلتك لتؤكد المودة بيننا، ونري أهل العسكرين هوانهم علينا، قال: فافعل، فتقدمت إليه حتى اختلفت أعناق دوابنا، وجمعنا أرجلنا على معارفها، وجعلنا نأكل والناس قد غلبوا ضحكا، فلما استوفينا ودّعني، ثم قلت له: إن هذا الجاهل إن أقمت على طلب المبارزة ندبني لك، فتتعب وتتعبني، فإن رأيت ألا تبرز اليوم فافعل، قال: قد فعلت، ثم انصرف. وانصرفت، فقلت لروح: أما أنا فقد كفيتك قرني، فقل لغيري أن يكفيك قرنه كما كفيتك، فأمسك، وخرج آخر يدعو إلى البراز فقال لي: اخرج إليه، فقلت:
إني أعوذ بربي أن تقدّمني * إلى القتال فيخزى بي بنو أسد
إن البراز إلى الأقران أعلمه * مما يفرّق بين الروح والجسد
إن المهلب حبّ الموت أورثكم * وما ورثت اختيار الموت عن أحد
لو أنّ لي مهجة أخرى لجدت بها * لكنها خلقت فردا فلم أجُد
فضحك وأعفاني.
ـــــــــــــــــــــ
المصدر: الأغاني والتذكرة الحمدونية

الاسم
رمز التحقق  أدخل الرقم في خانة التحقق  7440