| "حرفة الأدب" بالضم أم بالكسر؟محمد خليل الزَّرُّوق | بحثتاريخ النشر: 2024/09/07 اقرأ للكاتب |
محمد خليل الزروق 2 ربيع الأول 1446هـ = 5/9/2024 - تاجوراء "أدركَتْهُ حرفة الأدب" أو "حرفة الآداب" بالجمع، تعبير يرجع إلى المائة الثانية على التقريب، قال أبو تمام (188-231ه):إذا عُنيتُ بشيء خلتُ أنيَ قد * أدركتُه – أدركتْني حرفة الأدبقال الآمدي: "قال: [أي: أحمد بن طيفور] أخذه من قول الخُريمي (المائة الثانية):أدركتْني -وذاك أول دأبي * بسِجِسْتان- حرفةُ الآدابوحرفة الآداب لفظة قد اشترك فيها الناس، وكثرت على الأفواه، حتى سقط أن نظن أن واحدًا يَسْتَمِلُّها من آخر. هذا قول أبي طاهر. ولم يقل أبو تمام: أدركتني حرفة الأدب، إنما قال: أدركتني حرفة العرب". (الموازنة = المعارف 1/124، والبابطين 1/316). وقال الآمدي أيضًا (= المعارف 2/257، والبابطين 3/32): "وقد رواه قوم: الأدب، إنكارًا لذكر العرب ههنا، وغيرُه في عدة من النسخ القديمة، والذي في نسخة أبي سعيد السكري وأبي العلاء محمد بن العلاء وغيرهما: العرب، وإنما ذاك لشدة عشقه بالعربية وأن يقال: طائي". فأقدم استعمال محقق للكلمة بلغنا فيما أعلم في قول الخُريمي، وفي زمنه كان الخليل بن أحمد، وينسب إليه: "حرفة الأدب آفة الأدباء" (انفرد بذكره فيما أعلم الثعالبي في ثمار القلوب 658). وفَهِم الرافعي (تاريخ آداب العرب = ط 1911 = 1/25) من الكلمة المنسوبة إلى الخليل أنها بمعنى الصناعة والكسب، ثم فهم أيضًا أن معنى الذم فيها إنما جاء من قول ابن بسّام (-309ه) في رثاء ابن المعتز (247-296ه):لله درك من مَيْت بمَضْيَعةٍ * ناهيكَ في العلم والآداب والحسَب ما فيه لوٌّ ولا ليتٌ فتَنقُصَه * وإنما أدركته حرفة الأدب(ثمار القلوب 192، وهما شائعان في الكتب)، قال الرافعي: "ثم جاء ابن بسام... فجعل الحرفة نَبْزًا، وأخرجها عن وضعها اللغوي إلى معنى مجازي غلب على حقيقتها واستبد بها، فأرسلها مثلًا"، والصواب أنها على هذا المعنى من أول أمرها، وهو معنى الحرمان والشؤم وقلة الحظ. على أنه ذكر في الحاشية كلمةً عن قطرب (-206) نافعة في هذا الباب، وهي عن ابن الأنباري عنه (الأضداد 366)، قال: "قال قطرب: الحرفة من الأضداد، يقال: قد أحرف الرجل إحرافًا إذا نَـمَى ماله وكثر، والاسم الحرفة من هذا المعنى، قال: والحرفة عند الناس الفقر وقلة الكسب، وليست من كلام العرب، إنما تقولها العامة"، وهذا الموضع في كتاب قطرب هكذا (الأضداد 96-97): "ويقال: أحرف الرجل إحرافًا، والاسم الحرفة، وذلك إذا نمى ماله وصلَح... والحرفة من كلام الناس (أي على أيامه): الحرمان، ولم نسمع ذلك من كلام العرب". وهذا يفهم منه أن الحرفة في المعنيين القديم وهو الكسب، والمولَّد وهو الحرمان - بلفظ واحد، لأنه جعلهما من الأضداد. وهذا المعنى بعينه في كتاب كراع النمل (من آخر الثالثة وأول الرابعة)، غير أنه لم يذكر أن معنى الحرمان فيها من المولد، قال (المنتخب 590): "والحرفة: الاكتساب والحرمان، ضد". فإذا ما التمسنا هذا اللفظ في اللغة وجدنا الأزهري (تهذيب اللغة = هارون 5/16) يقول: "وجاء في تفسير قول الله جل وعز: ﴿للسائل والمحروم﴾ أن المحروم هو الـمُحارَف، والاسم منه الحُرْفة بالضم، وأما الحِرْفة فهو اسم من الاحتراف، وهو الاكتساب"، فظاهره التفريق بين المعنيين في اللغة، فالحرمان بالضم، والاكتساب بالكسر، ثم إذا ذهبنا نلتمس له شاهدًا من كلام العرب وجدناه في قول الحطيئة (ديوانه = نعمان 277 والشنقيطي 108) يخاطب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه:أشكو إليك فأشْكِني ذريةً * لا يشبعون وأمُّهم لا تشبع كثُروا عليَّ فلا يموت كبيرهم * حتى الحسابِ ولا الصغيرُ الـمُرضَع وجفاءَ مولاي الضنينِ بماله * ووَلُوع نفسٍ همُّها بيَ مُوزَع والحُرْفة القُدْمَى وأن عشيرتي * زرعوا الحُروثَ وأننا لا نزرعوقد تحرفت في نسخة ابن السكيت إلى: "الحزقة" بالزاي المعجمة، وليس بشيء، وهو في نسخة السكري بالمهملة، فإذا حملناها على ضبط التهذيب استقام الكلام. وجاء تصديق ذلك عند الزمخشري (الفائق 1/275)، قال: "الحُرْفة والحُرْف بالضم، من الـمُحارَف، وهو المحدود، ومنها قولهم: حُرْفة الأدب"، ونقله صاحب العباب (حرف الفاء 92)، مع أنه ذكر الحرفة بالكسر في هذا المعنى. ثم نجد تصديقه قبل ذلك عند أبي هلال العسكري (التلخيص 106)، ودعك من ضبط الناشر، فإنك إن اعتبرته بكلام الزمخشري بان لك وجهه، قال: "وقد أحرف الرجل، فهو مُحرِف، إذا نما ماله وصلح، والاسم الحِرْفة، وأما الحُرْفة والحُرْف فالشؤم، والحِرْفة أيضا كسب الإنسان"، وتصديقه أيضًا عند الـمُطَرِّزي (الـمُغْرب 1/197)، قال: "وقيل للمحروم غير المرزوق: مُحارَفٌ، لأنه بِحَرْفٍ من الرزْق، وقد حُورِف، والاسم الحُرْفة بالضم، والحِرْفة بالكسر: اسم من الاحتراف، الاكتساب"، وعند المديني (المجموع المغيث 1/431): قال: "الحرفة: الصناعة... وقيل: الحرفة: أن يكون محدودًا إذا طلب فلا يُرزق، ومنه المحارَف، والحرفة لا أعرفه بهذا المعنى، إنما الحُرْف، بضم الحاء، الحرمان، وقد حورف فهو محارَف"، وانظر إلى قوله: لا أعرفه بهذا المعنى، أي: لا أعرفه في وزن الحرفة بالكسر، وكأن يشير إلى نحو ما كلام قطرب، وهو أن الكسر في معنى الحرمان من المولَّد. ثم تصديقه أيضًا عند ابن مالك (إكمال الأعلام في تثليث الكلام 144)، وقد التزم أن يبدأ بالمفتوح فالمكسور فالمضموم قال: "الحَرْفة: المرة من حَرَف الكلمة بمعنى حرَّفها، والحِرْفة: ما يحاوله المحترف، والحُرْفة: الحبة من الحُرْف، وهو شبه الخردل، والحُرْفة أيضًا: اسم للمُحارَفة، مصدر حورف الرجل، إذا قُتِّر عليه الرزق". والكسر في معنى الحرمان كما رأيت ذكر قطرب أنه مولَّد، غير أن كراع النمل ساقه على أنه من اللغة القديمة، وجعله بذلك ضدًّا للحِرفة بمعنى الكسب، فكان اللفظ عنده واحدًا، والمعنى متضادًّا، وأظنه من نحو هذا انتقل إلى الصحاح تجويز معنى الكسب والحرمان في الحرفة بالكسر، فقال: "والحُرْف أيضًا: الاسم من قولك رجل محارَف، أي منقوص الحظ لا ينمي [في الأصل ينمو والإصلاح من خط الرازي في مختاره] له مال، وكذا الحِرْفة بالكسر، وفي حديث عمر، رضي الله عنه: لحِرفة أحدهم أشد علي من عَيلته، والحرفة أيضًا الصناعة". ومنه انتقل تجويز الضم والكسر في معنى الحرمان إلى النهاية (1/370) والعباب (الفاء 92) والقاموس (التاج 23/133) والغرر المثلثلة (= العايد 400) له، وما في المصباح المنير (= الأميرية 1/179) تخليط. وحاصل ما سلف أن قولهم: "حرفة الأدب" بالضم، وهو اللغة القدمى في "الحُرفة" بمعنى الحرمان، كما هو في تهذيب الأزهري، وصدَّقه ضبط الزمخشري والمطرِّزي وابن مالك، وجاء كسرها في لغة العامة على عهد قطرب، أي في آخر المائة الثانية، وصدَّقه قول المديني: إنه لا يعرف ذلك، أي لا يعرف ثبوته في اللغة، كما لم يعرف الضم أيضًا في الحرفة بالهاء، ولكن بلا هاء، وجاء اللفظ بمعناه في شعر الحطيئة. والله أعلم. |
|
كنت وقفت قبل كتابة هذه الكلمة على كتاب للأستاذ الطاهر أبو فاشا رحمه الله سماه: "الذين أدركتهم حرفة الأدب" (دار الشروق 1981، ص11)، ورجح فيه الضم بغير أن يذكر مرجحًا، ونشر طرفا من هذا البحث في مجلة العربي عدد أبريل سنة 1981. ثم وقفني أخي الأستاذ محمد الشيخ بعد كتابتها ونشرها على كلام للدكتور عبد الرحمن قايد في مقدمة تحقيقه للرسالة المعنونة: "رسالة الحافظ محمد بن عبد الواحد الدقاق" (المكتب الإسلامي 2014، ص142)، وذكر أن الصواب الضم، غير أنه لم يذكر مأتى الكسر فيها المجوز في اللسان والقاموس وغيرهما. |
|